# عودة النور
ملاك أبيض جلس بجواري أمسك يدي برفق ثم ابتسم قائلا لي: هل أنت خائف، رددت بهزة خفيفة من رأسي أن لا. أخرج من جيبه شاشة صغيرة بحجم الموبايل، ثم وضعها أعلى وجهي بمقدار شبر، ثم مسح عليها بابهامه ومسح بابهامه الآخر على عيني، في البدء اهتز جسدي، لكن عندما لامس نور الشاشة الأخضر عيني، شعرت بخفة وتحرر من جميع الأثقال، كأني فراشة تحلق بلا قيد، أو نور اكتسح دياجير الظلام، ردد الملك على مسمعي قائلا استمتع بعالمك، فأنت لصيد النور أقرب.
أول الأمر سابقت ابتسامتي، فسبقتني مرة، وسبقتها مرات، غسلت روحي في نهر المعنى، عند أول ملامستي لمائه كانت أثقال الحياة تخرج من جسدي مثل الزفير، سبحت كثيرا وشربت كثيرا، ثم ارتحت قليلا في رماله، رمال نقية وكاملة النضج ومستديرة ولامعة جدا، فحبات الكوارتز واللازورد تتعانقان في تجاور يبهج العين، حاولت أن أربط بين بلورتي الكوارتز التي رأيتها في رحلتنا الأولى والأخرى التي هنا، لم استطع فجمال اللحظة سرق عني شغف التركيز في طفيليات الذكرى.
بعدها سمعت طائرا يغني، صوته عذب، يشبه الكروان لكنه ليس هو، لحنه يجتاح الروح، يأخذها إلى أعمق السكينة ويدغدغها حتى تسكن لخالص البهجة، سرح نظري مع صوته العذب وتحليقه الجميل، كنت اتتبعه بنظري واذهب معه بهرولة ونشاط، حتى وجدت أمامي جموع من الناس في شكل حلقات دائرية متجاورة، يفصل بين كل دائرة واخرى، عبق خاص، نسيم رقيق يدغدغ الحس.
صديقنا الذي فارقته منذ زمن طويل، بذات مشيته المميزة، وضحكته وسخريته، رأيته في وسط حلقة تسمى الاستغراق في الإقناع. عندما لمحني، أتى إلي مسرعا، عانقني، ثم بكى، كانت دموعه تفوح عطرا، ثم قال لي لقد افتقدتك، فمنذ أتيت إلى هنا ابحث عنك، فقد طالت وقفتي هنا، دعني أعرفك بهؤلاء، هناك سقراط والذي يليه الغزالي ثم بعده أفلاطون والذي بعده نيتشه، ومن ثم أرسطو، وابن رشد وماركس وكيركيجارد، وقبل قليل كان الجميع يسألون نيتشه في خلاصاته التي وصل إليها، اغرب سؤال وجه له كان من قبل القديس توما الاكويني فقد قال له هل حبك الذي ضاع منك كان سببا من أسباب جنون فكرك وهجومك ضد فكرة الإله، عندها بكى نيتشه، مسحت دموعي ونظرت إلى مروحة السقف حيث قطعت حركتها المباغتة حبل أفكاري الممدود عبر الزمن، فنهضت نحو مكتبتي.
&عمر أرباب&