هـــــاجس
إنه فنجان القهوة العاشر لليوم، منذ أن هربت الشمس خلف التلال من ذلك النهار البائس..
شيعتها نظراتي أحسدها على اختفائها الصامت، تسحب خلفها بقايا ضوئها الباهت ليهجم الظلام مسرعًا يحتل صفحة السماء، كعدو غاشم لا يظهر إلا بعد رحيلها، وكأنها كانت تحرسها بضوئها المبهر فلا يجرؤ على الاقتراب.
أطلقت سيلاً من الشتائم بعد أن سقط الفنجان الساخن في حجري ملوثا ثيابي ومحرقًا يدي...
لكني واصلت جلوسي على ذلك الكرسي الهزاز المتواجد على الشرفة كأن شيئًا لم يحدث.
أطالع اندفاع النجوم بلهفة لتزين الليل كحبات من الألماس المنثور على ثوب شديد السواد..
وهناك في بقعة بعيدة تبعد ملايين الأميال عنا، لمع كوكب ما، مددت كفي نحوه كأني أمسكه بين السبابة والإبهام، تمنيت للحظة لو أن أي قوىً خارقة تسحبني إليه.
أترى يسكنك أحد؟ هل لوثت أرضك أي أرجل بشرية؟ هل اختلط هواؤك بأنفاس نجسة؟
أم أنك ما زلت نقيًا طاهرا لم تدنسك أمراض البشر؟
تساؤلات حمقاء يائسة كانت تتدافع على لساني اصطدمت ببعضها على حافة شفتي الهامسة.
أتعلم أيها الدُّري المضيء لقد غزا كوكب الأرض أناس يسيرون على رجلين اثنتين، يحملون بين أكتافهم رؤسًا خاوية، إلا من كل صفة سيئة وشعور مريض.
يعملون بمواقفهم المقيتة على غسل أدمغة الطيبيين، يصطادون القلوب البيضاء يبدلونها بسوداء، يزرعون بدل الزهر شوك، وينثرون بدل العطر سموما، يعيثون الفوضى في كل مكان.
أيها الدُّري.. !
أقسم لك أني أكاد أسمع أنين الأرض تحت وطأة أقدامهم النجسة، أراها أبدلت دموعها بالدماء، وتغضن سطحها بالركام والغبار، باتت كفتاة مغتصبة أثقلها حملها الحرام، تتألم بفعل المخاض، لكنها لا تدري لمن تلجأ وممن تطلب العون، فكل العيون لها بالمرصاد.
أيها الدُّري..!
احذر لا تقترب، ولا تدعهم يشعرون بوجودك، أطفئ أنوارك ونافس الليل في سواده، علّك تنجو من براثنهم.
.
✏#تناهيد