"القصر الملعون"

طلعت الحملى
(القصر الملعون)

أنا الحارسُ الأمين بين يدي مولاه، ساهر عليه، قريبًا منه، فانيًا في ذاته، حتي لقد اطفي علي وجهي سماته وقسماته..
أنا صاحب فرعون -بل أنا فرعون-
عبدني الناس منذ فجر الدهور، واختلفت أسمائى باختلاف العصور
..................
وقع البارون (امبان) في عشق الشرق وسحره فعاش متنقلًا في بلاده، حتي وصل لملاذ عشقه الأخير هنا بأرض مصر مهد الحضارة.. وبنى قصره - أعجوبة زمانه - (قصر البارون) مزيجٌ فريدٌ جمع بين أسلوبين من المعمار ..أحدهما ينتمي لعصر النهضة وخاصة التماثيل الخارجية... والأسلوب الآخر وهو بناء القصر نفسه الذي ينتمي إلى الطراز الهندي بقبته الطويلة المُحلَّاة بتماثيل الإله ( بوذا ) والحجرات المُزينة بتماثيل من القصص الهندية الخرافية.. وقد صمم القصر بحيث لا تغيب عنه الشمس فهو يدور فوق عجلات متحركة على ( رمان بلى ).
أنا( آدم ) أعمل مُعد لبرنامج تلفزيونى يختص بما وراء الطبيعة ، والظواهر الغريبة ، وذلك القصر سيكون موضوع حلقتي القادمة ، جمعتُ بعضَ المعلومات عن القصر من خلال العم (جوجل) ذلك المتصفح الذي يعرف كل شيء "كنت أريد سؤاله ايضا عن بنطالي الأسود .. أين اختفي ؟؟ " ولكن موعد الحلقة بات قريبًا جدًا لذلك يجب أن أذهب حالًا لاستخراج تصريح دخول للقصر من هيئة الأبنية الأثرية ، والحمدلله تم ذلك بكل سهولة ويسر.
وذهبت في اليوم التالي الموافق 2 مارس، بصحبة زميلي المصور (خالد) وكاميرته المحمولة.
دخلنا للقصر، وصعدنا السلم الداخلي المؤدي للغرف العلوية، تجوَّلنا في كل الغُرف ، حتي استوقفتني تلك الغُرفة المُرِيبة منذ أن خطت قدمايا داخلها ، أحسست بثقلٍ يعتلى صدري، أتنفس بصعوبة ، حوائط لونها وردي ، بهت الزمنُ عليها وأصبغ لونها بعض التراب والكتابات الغير مفهومة بلون أحمر قاني - مائل للبني - أظنها حروف لاتينية منتشرة حول نجمة داوود التي تتوسط كل جدار ، وفوق السرير علي الجدار لوحة أو ورقة مرسوم عليها صليب مُنَكَّس الرأس لأسفل ، أشرت لخالد أن يُصَوِّر تلك الغُرفة وبالأخص تلك الورقة.
أشعرُ بدوار، الرؤية مُتَداخِلة ضبابية، أصبح التنفس صعب، الهواءُ اصبح ثقيلًا علي المرور لصدري و.........
.......................................
-يكفي هذا ( آن)، حزنك لن يعيد أمك، مر عام ولم تنسي، يكفي هذا.
_ وكيف أنسي؟! (سيلفيا) أمي ماتت في نفس هذا اليوم أمام عيني، كيف أمحو تلك الذكرى من رأسي، وليتها ماتت بطريقة عادية، كلما تذكرت رأسها وهو يتدلي من ذاك المصعد ويسقط علي الأرض ويذهب جسدها لأعلي داخل المصعد، تنتابني هواجسٌ وأشياءٌ غريبة عن موتها، كيف حدث هذا؟! الأمر ليس عاديا، أمي قُتِلَت علي يد شخص ما.
-( آن ) اهدئى وخذي تلك الورقة وعلقيها فوق سريرك، ستحميك من تلك الهواجس .
_ما هذا؟ صليب ؟؟!! كيف يحمينى هذا ؟؟ أمي عاشت طوال سنواتها تُصلى وتُعَظِّم باسم الرب وترتدي الصليب، ولم يحميها، أظن أن ليس هناك رب ، خُذى ورقتك ( سيلفيا ) لا أحتاجها.
- صديقتي العزيزة هذا ليس صليب (يسوع)، انظري أنه صليب مقلوب.
_ومن لديه صليب غير (يسوع)؟!
-إنه صليب العظيم وملك التحرير من كل القيود، علقي أولا تلك الصورة فوق سريرك، وسأُخبرك بكل شئ عن معبودنا الذي سينسيك كل أحزانك وذكرياتك عن أمك، بل سينسيك أمك نفسها.
...........................................
صحوت من غفوتي علي صوت خالد، الذي وضعني علي ذلك السرير بالغرفة الوردية، وتلك الورقة فوق رأسي، قمت مُتثاقلًا مُستندًا علي ذراع خالد ، وسألني الذهاب من ذلك المكان المُريب فأخبرته بأنه لم يتبقَ إلا القبو فقط ، وبعدها سنعود أدراجنا.
وبالفعل نزلنا للقبو عبر السلم، المُزين بمشاعلٍ قديمة رُصَّت علي الحائط بمُحاذاة السلم، وخالد يصور كل ذلك بكاميرته المحمولة..
مع آخر درجات السلم ، تحسست بقدمي أرضية القبو المُظلم، شعرت بشئ رخو تحت قدمى ، فأشرت لخالد كى يصور ، فسلَّط ضوء المصباح المُثبت بأعلي الكاميرا علي الأرض، لنجد الكثير من الخفافيش النافقة تُغرق الأرض، العشرات بل المئات منها وكأنها مقبرة جماعية لخفافيش الأرض هنا بذلك القبو..
عندما قمت بالبحث في موسوعة (ويكبديا) عن ذلك القصر (قصر البارون) قرأت أن هناك ثلاثة سراديب تحت القبو ، الأول يؤدى للمبني المُلحق للقصر ، وهو معروف الآن بفندق البارون والثاني يؤدي لكنيسة ( البازلت ) التي سُمِّيت بعد ذلك باسم البارون .
- ( أمبان) السرداب الثالث يؤدي لقصر رئيس الجمهورية آنذاك، ولكن هذا السرداب الرابع لم يذكره أحد أو من الممكن لا يعرف أحد بوجوده، يا تري إلى أين يُؤدي ذلك السرداب؟! أجاب خالد : هيا نعود آدم.
- لن نعود ، اصبر خالد ذلك المكان هو ما سيشهرنا ، لم يصل أحد قبل ذلك إلى هنا ، أظننا الأوائل، سنكشف للعالم أجمع سر ذلك البناء الغريب، سنحل الأحجيات التي ما فكر أحد في حلها يومًا ، هيَّا تعالى لنري أين سيؤدي ذلك السرداب المجهول !!
.........................................
(آن) بنت (أمبان) أنت بحضرة لوسيفر العظيم وملك زبانية الجحيم، أنتِ المُختارة لحمل بذرة لوسيفر، فاليغرث فيكِ روحه المُلتهبة من نار الرجيم.
شعرت (آن) بهواءٍ ساخن يلفح قدميها من أسفل ويصعد لأعلى مرورًا بفخذيها ، حتي أحسَّت بسخونةٍ تخترقها و تستقر برحمها، شيء لا تعلم كنهه بعد.
- (آن) استيقظى (آن) ستغرب الشمس عما قريب هيَّا قومى.
- (سيلفيا) دعيني قليلا.
_ لا هيَّا قومي، منذ أن كنا بحفل تعميدك، وأنتِ نائمة لا تغادرى غرفتك، هيَّا قومي وامرحى، لقد تم تعميدك علي يد الخادم الأول نفسه أي شرفٍ هذا نلتينه يا (آن).
- (سيلفيا) لا يهمني ذلك، حتي لو عمدني لوسيفر بنفسه، أخبرتينى سابقًا أن دخولي لذلك العالم سينسيني أحزاني عن أمي، صحيح أنى لم أعد أفكر في تلك الحادثة، ولكن ما يحدث لي الآن مصيبة أكبر من حزني علي أمي.
- أي مصيبة تلك وأنت بحماية لوسيفر نفسه ( آن ) ؟؟
- أنا حبلي حبلي يا سيلفيا، لقد ضاجعني لوسيفر.
-وهل هذه تسمي مصيبة يا حمقاء، أنه شرف لا تناله أي فتاة.
- ماذا سأقول لأبى عندما يري بطني المنتفخ ذلك، هذا الطفل يكبر بسرعة، انظرى ضعي يديك،
هل تشعرين بحركته؟
- نعم نعم، ولكن لمَ تخشين أباكِ ؟! أنت بحماية لوسيفر نفسه وضيفي لذلك ، أنك أم ولي عهد الظلام.
...........................................
داخل السرداب رصت مشاعل علي جانبيه ومازالت رائحة زيتها المحترق في الأجواء، ربما مرت عليها مائة عام لم تشتعل، أشعر بأنه يتجه لأسفل بمنحني لا نشعر به نحن، وكلما تقدمنا خطوة الهواء يصير اكثر برودة وثقل، سألني خالد : أليس لذلك السرداب نهاية ؟؟ مشينا كثيرا.
- اصبر خالد، الصبر حليف النجاح اصبر، ما هذا؟! نهاية السرداب حائط !!!
- وهل حفر ذلك السرداب ورصت تلك المشاعل من أجل أن يكون مغلقًافي النهاية؟!
- صدقت خالد، لأول مرة تقول شيء صحيح منذ بداية اليوم.
بدأت بالنقر بأصابعي علي الجانب الأيمن للحائط ثم الجانب المُقابل له في اليسار .
- اسمع خالد ذلك الجانب يُصدر صوتًا أعلي، هيَّا أعطني شيئًا أُحطم به تلك القشرة الأسمنتية لنري ما خلفها .
- لا يوجد معي شئ غير الكاميرا والبطارية الإحتياطية لها .
- هيا أعطني أياها ولا تقلق سأشتري لك بطارية بل كاميرا ديجيتال أحدث من هذه عندما نخرج من هنا.
أخذت البطارية وأمسكتها بيدي وبكل ما أوتيت من قوة هويت علي الجدار فتفتت القشرة مما جعلني أضرب بقوةٍ أكثر لأوسع الفتحة أكثر ويزيد أملي بأن الأحجيات ستحل.
.................................................
- ماذا أفعل (ماريبي) ؟؟ لم أعد أتحمل، خادمات القصر يختفوا الواحدة تلو الأخرى، ست خادمات آخرهم مديرة الخدم (دي موريه)، ولكن ما يقلقني أكثر في كل ليلة تختفي فيها خادمة، تحاول ( آن) ابنتي الانتحار، أخاف أن يكون لها علاقة بذلك.
- ابنتك(آن) علي علاقة بكيانٍ شيطانى، وحبلي منه، هذا ما أخبرتني به (سيلفيا) ..
- ابنتي عندما واجهتها - وبعيون قاربت علي البكاء - مُنضمة لذاك الكيان، الذي لا نعلم عنه شيء .
- سُحقًا لنا، أين كنا عندما حدث ذلك لفتياتنا؟! أين كنا؟! نحن نعيش معهم ببيت واحد.
- كنا نجمع الأموال، نبني القصور، كنا نفعل كل شيء لتزيد أموالنا وسطوتنا علي كل البلاد، ونسينا أولادنا.
..........................................
اتسعت الفتحة بضرباتي المستمرة، ولجنا منها، وأكثر ما يدهشني ذلك الشعاع المتسلل من ثقبٍ بأعلي تلك الحجرة التي أدت الفتحة إليها، وعلي ضوء الكاميرا بدأنا نكتشف تلك الحجرة ذات الجدران الصخرية أظنها عبارة عن صخرةٍ مُجوفة ونحن داخلها، بوسط الحجرة تابوت صخري وذلك الشعاع الساقط من أعلي فوق أنف ذلك الغطاء المشكل علي هيئة فرعون قديم ، يضم يديه إلي صدره ممسكًا بمفتاح الحياة،
أوانى فخارية مرصوصة علي مصطبة في أحد الجوانب، نقوش فرعونية علي الجدار، كبعض الناس يحملون جثمان و يتجهون ناحية شيء له جسد إنسان ورأس طائر وبيديه شئ شبيه بالحربة
- خالد نحن بداخل مقبرة فرعونية.
- نعم أعي هذا ، ولكن .. أين الذهب والمجوهرات؟؟ كما نري في التلفاز
- أظن أن البارون (إمبان) سرقه !!
.......................................
- ( أمبان ) صديقي العزيز، ابنتك زادت خطورتها علي من حولها، الجميع اختفي ..الخادمات، والبستانى، حتي حارس القصر لم يعد موجود، لم يبقَ أحدٌ بالقصر إلا أنت وهى، أخاف أن يكون دورك القادم.
- منذ أن رأت أمها وهي تموت ، عرفت أن هناك الكثير من المصائب ستحدث، وكنت أخاف بشدة عندما أظن أنها رأتني وأنا أدفع رأس تلك الخائنة من المِصعد، منذ ذلك اليوم وأنا أشعر بأن ذلك القصر ملعون .
- دعك من الماضى، الآن يجب أن نتخلص من تلك الفتاة قبل أن تفعل شيئًا آخر .
- يا إلهيى !!! أى لعنة حطت علينا لتجعلني أقتل ابنتى بيدى ؟؟
- (أمبان ) ما حدث قد حدث وانتهى، الليلة تتخلص منها ولكن ليس هنا، لقد انتهينا من المقبرة ونقلنا منها كل شيء، فخذها للمقبرة وادفنها هناك، لنرحل عن هذه البلاد.
..................................
بعد أن انتهينا من تصوير المقبرة ونقوشها وأوانيها الفخارية، بقي أمامنا ذلك التابوت الحجرى، أزحت عنه الغطاء الصخري بمساعدة خالد، فصُدِمنا مما رأينا.. هيكل عظمي.. كنت أتوقع رؤية مومياء فرعونية مُحنطة!! وليس ذاك الهيكل !!
- آدم .. هل هذه مومياء فرعونية وتحللت؟!
- لا أظن هذا أبدًا ، هذه العظام تخص جسد لشخصٍ عادي ، ليس من المصريين القدماء ، وضعت هنا وتم سرقة المومياء مع بقية الكنوز، ألم تسمع صوت فرقعة العظام عندما تعرضت للهواء بعد أزاحتنا للغطاء الصخري ؟؟ ربما تكون أحد افراد عائلة البارون!! هيا لنُعيد الغطاء مكانه ، لا نريد أن نعبث مع الأموات.
-آدم لنعود أدراجنا .
- سنعود .. لا تقلق ولكن لنري أولًا ذلك الثقب بالأعلي إلي أين يؤدي؟ عندما دخلنا للمقبرة كان يمرر شعاع ضوء...
صعدت فوق الغطاء الصخري وبحثت عن ذلك الثقب، لم أره ، ولكن استشعرت هواءً رطبًا يمر بين أصابعي وأنا أمررها فوق موضعه لأجد الثقب - ما هو الا فتحة طولية - حُشرت أصابعي بين تلك الفتحة وحركتها يمينًا ويسارًا ؛ لتنهال فوق وجهي بعض الرمال، لأكتشف أن تلك الفتحة هي فجوة بين سقف الغرفة وغطائها المُزاح قليلًا.
طلبت من خالد أن يساعدني في دفع الغطاء، وبالفعل نجحنا في إزاحته قليلًا ليمرر لنا بعض الهواء الرطب قليلًا، ونري من خلالها نجوم السماء..
رفعني خالد بيديه وبصعوبة مررت من تلك الفتحة الضيقة ومددت يدي وأخذت الكاميرا وضعتها بجانبي، ثم مددتها ثانية لأسحب خالد بصعوبة بالغة بسبب كرشه الذي كان حجمه أكبر من الفتحة وبالنهاية خرج مع بعض الخدوش حول بطنه بسبب احتكاكها في جوانب الفتحة الضيقة .
- أين نحن؟!
- أنت غبي.. ألا ترى الأهرامات وابو الهول الذي أمامك وهل هناك أهرامات تشبه تلك في منطقة بالعالم يا خالد ؟؟
- أعرف ما تقوله ، ولكننا دخلنا القصر بمصر الجديدة كى نخرج هنا في الجيزة، المسافة كبيرة جدا.
- حقيقةً لا أعلم .
- وما هذه الأضواء حول أبو الهول، هل عيد ميلاده اليوم ؟؟
- هههههه عدت لمرحك وغبائك مرة ثانية يا خالد، كنت مذ قليل بحالٍ آخر، هذه الأضواء وبعد قليلً
ستسمع أصواتًا أيضًا .. إحدي فقرات مشروع الصوت والضوء، هل سمعت عنه ؟؟
- نعم سمعت عنه في التلفاز، عندما كنت أُشاهد فيلم (اللعب مع الكبار) للزعيم عادل إمام ومحمود الجندي أحببت ذلك المشهد عندما قابله هنا في الاهرامات وردد مع الصوت:

أنا الحارسُ الأمين بين يدي مولاه، ساهرٌ عليه، قريبًا منه، فانيًا في ذاته، حتي لقد أطفى علي وجهي سماته وقسماته..
أنا صاحب فرعون - بل أنا فرعون - عبدني الناسُ منذ فجر الدهور، واختلفت أسمائى باختلاف العصور.


تمت
طلعت الحملى

Image may contain: outdoor and water


تم عمل هذا الموقع بواسطة