"الأنا المتضخمة"
للأنا المتضخمة أسباب كثيرة أذكر لك منها سببين اثنين: أولهما: الجهل..
وكلما زاد جهل المرء ، زاد كبره وتضخمت أناه حتى يكاد أن ينفجر..
والمجتمعات المتخلفة تضم عددا لا حصر له من هاته الفئة المتضخمة..
وهم يرفضون أي رأي يخالف رأيهم ولا يقبلون من أحد نصحا أو علما لأنهم الأعلم فكيف يقبلون ممن هم أدنى منهم مكانة وشرفا..
ومن أثر تواجد هؤلاء في المجتمعات المتخلفة أننا لا نمتلك ثقافة الفريق أي العمل كفريق ففي البلدان المتقدمة يعملون بروح الفريق ويعملون كفريق، ومن يأتي بعد يكمل عمل الآخر أما لدينا فمن يأتي بعد يهدم عمل الآخر ، وكل رئيس في عمل يمسح ما فعله سابقه ..
ويعبر عن هذا بالمثل الشعبي: " كل شيخ وله طريقة "..
ليس هذا وكفى بل إن رئيس العمل يرأس من تحته ليس داخل العمل وكفى بل يمتد الأمر إلى خارج نطاق العمل..
ولا تحسب أن الأمر ينتهي عند ذلك بل إن زوجة رئيس العمل ترأس زوجات من يرأسهم زوجها ويرأس ولده، أولادهم، ويستمر الحال هكذا إلى أن يأتي آخر فيلقى بالسابق في المزبلة، ويمر به من كانوا من قبل يقبلرن يده دون أن يعيروه انتباها أو يتنبهوا لوجوده وكأنه لم يك شيئا..
كما ينتشر لدينا شخصية الفهلوي الذي يجيد كل شيء ، ويعرف كل شيء..
ومن أسف أن الأدب لم يعبر عن هذه الشخصية مع كونتها بنت بيئتنا ونتاجها وهذا يدل على بعد الأدب عن البيئة، كما يدل على اضمحلال ثقافة الأديب..
أما السبب الثاني...
كان الجهل هو السبب الأول لبروز الأنا المتضخم، والجهل بيئة لنمو كافة الموبقات والشرور أما السبب الثاني فيكمن في الوضع الاجتماعي، وقيمة الإنسان في المجتمع..
والإنسان في مجتمعنا العربي كم مهمل بلا قيمة بل مطارد هو وخائف، ومشغول بالبحث عن مقومات حياته الأولية تلك التي تتوفر للحيوانات..
فالبحث الحثيث عن الطعام والمسكن والمنكح هي غاية الإنسان ومنتهى أمله ولا يكاد يجد من هذا شيئا إلا بشق الأنفس فنسبة كبيرة تقبع تحت خط الفقر كما أن نسبة العنوسة بلغت حدا مفزعا فإذا ما حصل فرد على شيء من هذه المقومات الأولية عض عليها بالنواجذ وكان شغله الشاغل المحافظة عليها، والمقاتلة دونها ومن ثم لا يبقى في ذهنه شغل بفكرة عليا أو بأشواق الروح وحياة العقل، ويصبح في حالة دفاع كامل عن مكتسباته أو ما حصل عليه فتتضخم الأنا للدفاع عن هاته المكتسبات..
وهذا الأمر يحتاج إلى بسط لكن في هذه العجالة أشير مجرد إشارة لا أكثر لكن السؤال يبرز عن ألوان الأنا وأنواعها؟ ..
للأنا أنواع ثلاثة وكل لون منها على درجات شتى: النوع الأول: الأنا المتضخمة وقد حدثتك عنها..
النوع الثاني: الأنا المنكمشة أو المستضعفة الضئيلة التي تكاد أن تنمحي وهي على النقيض من الأولى إذ لا يشعر صاحبها لنفسه بقيمة تذكر فهو من سقط المتاع ، ويجد صاحبها لذته في الانسحاق والعيش في الحفر، وتحت النعال ولو حاول أحد رفعه من المستنقع لبصق في وجهه فهو دائما في سياج الحظيرة..
وهب أن السياج مزق في يوم ما فإنه لا يترك الحظيرة ولا يتصور نفسه خارجها أبدا فهي جنته وهي منتهى أمله..
وهذا اللون ينتج كسابقه نتيجة الجهل والظلم الاجتماعي إلا أنه يسير في إتجاه عكسي لما قام به اللون الأول وكلاهما مرض اجتماعي ونفسي يصيب المجتمعات بالتخلف والركود والركوض للوراء..
والنوع الثالث هي الأنا الطبيعية والتي تحفظ على المرء هويته وتدفعه للتقدم مع احترامه للآخرين والدفاع عنهم لأنها بهم وهم بها..