أنت لا تحمل مرآة في يدك، ولا نهر في عيونك، ولا رمل تحت خطواتك، ولا حبيبة على يمينك، ولا رفيق على يسارك، ولا شيئ حولك غير أناك الصاخبة فحتى صمت دواخلك تخلى عنك.
مرآتك التاريخ، ونهرك الشجن، ورملك الفكر، وحبيبتك المستحيل، ورفيق الليل وانيسك الضجيج.
أنت تحمل ذاكرة المدن الخطأ، واثقال التاريخ البراقة وصفقة من كذبوا على صفة الشوق فحولوها سوقا لبضاعتهم المزجاة.
أنت الآن بين صرخة ولعنة وفرجة بين الهم والانسحاب، تحمل قدرك وتصادم رمال الزمن المتحركة، إن صمت عن الحركة دثرتك واثرك، وإن ذهبت معها تجاوزتك وتركتك بلا رفقة، وإن أحرقت خيام الوهم وأشعلت في الرمل ثورة الطين ربما تفوز بكوخ صغير في مدينة تسكنها لوحدك لكنك واجد بها إبتسامة الرضا ووضاءة من قبس الرسل ورواحل المعنى.
أنت الآن تنظر إلى قدمك والطريق موحش بلا أنيس إلا من خشاش الورق، واسراب الشجن، وموسيقى الشجى، وجنادب الضجيج، فالحبيبة قد نامت على وقع أوتار نغم حزين، والأصحاب بين نزقهم والضجيج يتسامرون، والمدن لاهثة خلف سراب وصقيع، والقرى يلفها الليل في مرفقه لكي تنام ملء جفونها بلا كوابيس أو أصوات يعم بعدها الضجيج.
وحده الضوء وأنت في سجال بين النجم والغيم والمطر، يغرسكما الناس في السكون وينسوكما في الزحام والضجيج.
أنت تقف أمام مرآتك لتراك في صبوة الصراخ، والضوء يضع لك حبكته الأخيرة في تواطؤ فاضح مع المرآة والتربص، فهل ترى، تراك، ترانا أم أن المرآة لا تعكس إلا ما نريده وما لا نريده يبقى بين الصمت والضجيج، عتبة بين الواقع والمستحيل.
&عمر أرباب&